رياضة

سيمون كوبر في المحلة

لماذا تنجح بعض أندية كرة القدم في كتابة التاريخ بينما تفشل كثير منها في ذلك، وهل الاستثمار المالي الكبير هو سبيل للنجاح الكروي وتحقيق الألقاب؟

future صورة تعبيرية: سيمون كوبر، محلل رياضي بريطاني في موقع ذا أثليتك، وستاد غزل المحلة

عكف سايمون كوبر المتخصص في أنثروبولوجيا كرة القدم وعلم الاجتماع الرياضي مع الاقتصادي الأميركي ستيفان زيمانسكي على إجابة عن عدة أسئلة وهي لماذا تنجح بعض أندية كرة القدم في كتابة التاريخ بينما تفشل كثير منها في ذلك، وهل الاستثمار المالي الكبير هو سبيل للنجاح الكروي وتحقيق الألقاب؟

وأطلقا إجابات تلك الأسئلة عن هذه النظرة غير المسبوقة من علاقة كرة القدم بالاستثمار والاقتصاد، في كتاب سموه «اقتصادات كرة القدم»، وهو الكتاب الذي لاقى رواجاً كبيراً مذ إطلاقه عام 2009.

ورأى كوبر وزيمانسكي أن إجابة هذه الأسئلة تكمن في ثلاث نقاط رئيسة، إذ ما توفرت في أي ناد تحقق النجاح المرجو وهي:

التعداد السكاني المسؤول عن إفراز المواهب وتنوعها بشكل دوري، وكذا ارتفاع مستوى دخل الفرد، وأيضاً التجربة الكروية لسكان دولة أو مدينة ما.

 

وبناء على هذه العوامل توصلا إلى أن خريطة كرة القدم تحولت من اقتصار النجاح على نوادي العواصم في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي إلى مزاحمة الأندية القابعة في المدن الصناعية لها على الألقاب، مثل برشلونة في إسبانيا وأرسنال في إنجلترا، وغيرهما.

وكترويج لكتابهما في العالم العربي بعد انتشاره عالمياً قبلا كوبر وزيمانسكي العرض المقدم لهما من معرض الكتاب في القاهرة لحضور ندوة توقيع للكتاب، وبمجرد أن وطأت أقدامهما أرض الكنانة، طلبا أن تكون الندوة في إحدى المدن الصناعية التي تمتلك نادي كرة قدم يلعب بصورة احترافية.

وبمجرد إسناد الأمر إلى الأستاذ جمال علام رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم قرر على الفور ومن دون أي نقاش أن تكون الندوة في مدينة المحلة، وبعد مفاضلة بين ناديي غزل وبلدية المحلة قرر أن تكون الندوة من داخل نادي الغزل.

العدد في الليمون

ملاحقات إعلامية هنا وهناك بمجرد وصول كوبر وزيمانسكي إلى مدينة المحلة برفقة بعض شباب اتحاد كرة القدم كان قد وكل إليهما مهمة مرافقة الرجلين في رحلتهما، وطبقاً للخطة التي وضعها السيد جمال علام بنفسه، كانت بداية الرحلة من مطعم «البغل» أحد أشهر مطاعم الفول والطعمية في المدينة.

وهو ما أثار إعجاب الرجلين خصوصاً أنهما تناولا وجبة الإفطار على مقهى شعبي في وسط المدينة، وهي بداية مبشرة للرجلين وكذا للخطة الموضوعة من قبل الاتحاد.

وبعد الجولة الصباحية في أرواق مدينة المحلة، كان قد حان وقت الذهاب لنادي الغزل، خصوصاً أن درجة حرارة الشمس قد بدأت في الزيادة، مع اختفاء نسمة الهواء التي كانت في الصباح، مع تزايد عوادم السيارات، وازدحام الناس في الشوارع، لكنه جانب إيجابي أيضاً، إذ تعني تلك الطوابير المتزاحمة على المواصلات ومنافذ توزيع العيش، أن الشرط الأول قد تحقق، وهو التعداد السكاني الذي ينتج لا محالة مواهب بشكل دوري.

كانت هذه أولى تدوينات سايمون كوبر عن مدينة المحلة، قبل دقائق من وصول الرجلين إلى نادي الغزل، إذ الجميع على أهبة الاستعداد لاستقبالهم بقيادة رئيس النادي المهندس وليد خليل.

شرح كوبر في عجالة فحوى كتابه والعوامل التي ذكرناها سابقاً والتي كان لها الفضل في دخول نوادي المدن الصناعية على خريطة اللعبة.

ثم اتجهوا في جولة داخل أروقة النادي كانت كفيلة أن تثير مشاعر مضطربة عند الرجلين، إذ المرافق تبدو متهالكة وملعب يعاني مدرجات أكل الزمن عليها وشرب، لكن الذي سمعناه عكس الصورة الماثلة أمامهما.

يحدثهم أعضاء النادي عن فريق عريق استطاع الفوز بالدوري المصري والوصول إلى نهائي دوري أبطال أفريقيا، وفجأة حل صمت رهيب بمجرد أن استفسر سيمون عن الموعد الذي تحققت فيه تلك الإنجازات، وهل كانت قبل عام أو عامين أو أكثر من ذلك؟

من زمان غير الزمان

وقع كوبر تحت تأثير الصدمة لثوان عندما علم أن الغزل حقق الدوري موسم 1972-1973، وأن آخر إنجازات الفريق كانت بطولة كأس مصر موسم 1994، ومنذ ذلك الحين يمر الفريق بفترات صعود وهبوط، ويتأرجح بين وجوده في الدوري الممتاز تارة، وفي دوري الدرجة الثانية في أخرى.

مما أثار جنون الرجلين أن كل ما يشاهدانه من المفترض أن تؤول نتائجه إلى عكس هذه النتيجة، مدينة صناعية تمتلك صناعة فريدة ربما في العالم وهي الغزل والنسيج، ويقطنها عدد لا بأس به من البشر كفيل بإنتاج كم مواهب لا تعد ولا تحصى، وبخاصة مع شغف أهل المدينة باللعبة، الذي رأياه في حضورهم كاملي العدد لمران الفريق، على رغم درجة الحرارة القاتلة.

لكن قبل أن يجد الرجلان إجابة عن أسئلتهما كان قد حان وقت الندوة، وأُبلغا أن الجميع في انتظارهما، فانطلقا على الفور إلى المكان المخصص للندوة.

نظرية الشبهية

بدا كوبر مرتبكاً في مقدمة حديثه عن الكتاب، وكأن ما يدور في خاطره أن تلك الزيارة ضربت بحثه في مقتل، وما زاد الطين بلة هو انقطاع التيار الكهربائي عن المكان.

لكنه رب ضارة نافعة إذ أزال انقطاع التيار الكهربائي التوتر من كوبر ومن المكان، وانقلب الحديث لحديث ساخر، لكن كوبر أصر أن يسأل الحضور عن تفسير ما لاقاه في نادي الغزل، وهل هو يحتاج إلى إعادة النظر في سرديته؟

تطوع أحد الحضور من شباب الصحافيين للإجابة، فكان نص ما قاله:

«الأمر عندنا يتخطى المنطق، نمتلك أكثر من 100 مليون نسمة، ونتنفس كرة القدم، لكننا وكما يقول الراحل صلاح السعدني وهو ممثل مصري، إننا قد نمتلك كل ذلك لكننا لا نمتلك كرة قدم حقيقية، وقس على ذلك كل المجالات، اللهم إلا بعض الطفرات التي قد يحققها مجال ما وتستمر لفترة محدودة، مثلما حدث في كرة القدم المصرية مطلع الألفية».

بدا أن كوبر وصديقه قد اقتنعا بالإجابة بخاصة أنهما قد أفردا فصلاً في الكتاب يتحدث عن حالة مشابهة لتلك ولكن في الولايات المتحدة، وما إن قال كوبر تلك الكلمات حتى انفجرت القاعة من كثرة الضحك، لكنه ابتسم وأكمل على أي حال.

تائه في المحلة

يرى كوبر وزيمانسكي أن الولايات المتحدة ومن شابهها من دول تمتلك كل المقومات التي قد تضعها في مقدمة الدول في كرة القدم، لكنها تفتقد أهم من أي إمكانات، وهي روح اللعبة وتجذرها داخل طبقات المجتمع.

لكنه في المحلة وفي مصر عموماً وجد ذلك الهيام بكرة القدم الذي يصل لحد الجنون، لكن أحد الحضور قاطعه مستنكراً، وما فائدة ذلك كله؟

نمتلك آلاف المواهب التي تتمنى نصف فرصة، لكنها تجد الأبواب موصدة أمامها في كل مرة تحاول أن تخلق لنفسها سمة فرصة، ودعا صاحبنا كوبر أن يأتي ذات مساء إلى نفس النادي إبان فترة اختبار الشباب، وهو سيعي تماماً ما يقوله.

المئات من الأسر مصطفة أمام بوابات النادي، لساعات قد تمتد لنصف يوم كامل، كل ذلك من أجل اختبار من أسماء لم نسمع عنها مسبقاً ويمتد لربع ساعة على الأكثر، حتى تعود أكثر من 90% من هذه الأسر بخفي حنين، بعد أن أبلغوا بعدم نجاح ابنهم في اختبار لا يعلم معاييره إلا هم.

مر على اللقاء ساعتان كاملتان ولا يزال التيار الكهربائي منقطعاً، كما أن كوبر وصديقه قد نال منهما التعب، فشكروا الجميع، ورفضوا كل الدعوات الكريمة بحجز غرف لهما في أرقى فنادق المحلة، وفضلاً العودة إلى القاهرة.

وما إن وصل إلى القاهرة وجدوا السيد جمال علام في انتظارهم، متمنياً أن يكون قد وفق في اختياره لمدينة المحلة، فشكراه على حسن الضيافة، فعرض عليهما زيارة لمدينة صناعية أخرى وهي مدينة العاشر من رمضان، لكنه لم يكن صريحاً معهم أخبرهم أنهم لا يمتلكون نادياً بحجم غزل المحلة، ففر الرجلان هرباً من أمامه ولم يبيتا ليلتهما في القاهرة وغادرا مصر كلها.

# كرة قدم # رياضة # سيمون كوبر

جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً
الخسارة كنز: هل تجعلك الهزيمة خفيف الظل؟
المقبرة الملكية: هل يحمي ريال مدريد المواهب أم يدفنها؟

رياضة